الأربعاء، 17 يونيو 2015

اشيتا نو جو ،، الجوهرة الرياضية ! 
مراجعة نقدية للعمل ..






عندما كانت ساحة فن الأنمي والمانجا اليابانية في عز إزدهارها ونشأتها وُلدت أسطورة جديدة أثرت الساحة بعملِ تخلد في ذاكرة الناس قبل أن يُصبح أيقونة في عالم المانجا والأنمي وذلك في أواخر الستينات ميلادية ! سطع نجم العمل حتى تسابقت عليه الشركات العالمية لدبلجته وإثراء قنواتهم بهذه التحفة ! 


.
.
.


الأسم -  ashita no joeغد جو
تاريخ عرض الموسم الأول - 1970
تاريخ عرض الموسم الثاني - 1980
التصنيف - رياضة ، دراما
المانجاكا - Ikki Kajiwara


.. ~



العمل مزيجٌ مابين رياضة الملاكمة وقصة درامية فريدة من نوعها بإسلوب شخصياتها وفلسفة المانجاكا بشخصية البطل والذي يُعد من أعمق الشخصيات ويملك بُعد آخر بتفكيره وحديث نفسه ! هذا البطل الذي سيرهقك إذا ما حاولت قراءة شخصيته والتنبؤ بأفعاله وتصرفاته عوضًا عن محاولتك للتعمق بهواجيسه وطريقة تفكيره ! 

إن العمق القصصي والحواري لهذا العمل لهو من أروع الأمور التي ساهمت في إبراز روعة هذه الجوهرة فهي أسطورة تُدرس لباقي الكُتاب في هذا المجال وغيره !
فتارةً تجد قصة تستوقفك كثيرًا وتفتح أبواب تفكيرك وسرحانك مع روعتها وأسلوبِ طرحها !
وتارةً أخرى تستوقفك حواراتٍ ومحادثاتٍ تجعلك تعيد وتكرر المشهد ، وليس ذلك فقط بل سترسخُ في ذاكرتك وستعيدها بين الفينةِ والأخرى !






.
.
.




يابوكي جو 



الشاب جو نشأ يتيمًا وقد هرب من دارِ الأيتام لتعصف به رياح الوحدةٍ والترحال بقلبه الفارغ ومشاعره الباردة ! كان هادئ البال حزين الوجه فارغ القلب ، يرتحل هنا وهناك بلا هدف أو حلم ، لكنه كان قوي الإرادة ومنذ ولادته وشعلةُ قلبه لم تنطفئ ! قُدر لجو أن يكون عظيم الشأن بعد مصادفته لذلك العجوز الذي رأى في جو وحشًا كاسرًا بنظراتٍ حادة !
شابُ عاش حياةً بائسة بعد هربه من دارِ الأيتام لا صاحب له سوى الليل ولا أنيس له إلا الترحال !
قضى عمره البائس تجوالًا لعله يجد طريقًا لحلم أو هدف يضع لحياته معنى ووحدته مأوى !
لعلك عزيزي القارئ حينما تشاهد جو يُخيل لك لوهلةٍ أنه شخص عادي بذيء اللسان قوي القبضة مشاعره باردة وبلا قلب ! لكن ذلك ما صقلته عليه حياتهُ البائسة حتى غلفته بقشرة قاسية ! 
على الحلبة وُلدت أحلامه لتصعد به إلى القمة على ظهر إرادته الجبارة وروحه المختارة ، وفيها أنتهت حكاية الأسطورة .. !! 
شخصية من الطراز النادر !
تركيب الشخصية مميز وعميق وقلما تجده !




لم يكن من جو الصغير إلا أن يكتشف العالم وحيدًا ويبحث عن ذلك الحلم السرابي ليجعل من حياته معنى وإسمه ذا مغزى !
لك أن تشعر عزيزي القارئ بحجم المعاناةِ والألم لهذا الطفل الصغير اليتيم وهو يبحث عن مأوى ولقمةٍ يسد بها جوعه !
فكيف بسبيل لسد وحدةِ هذا القلب المنفطر والفؤاد المكسور !
ما كان من صاحبنا إلا التشبث بحبل إرادته القوية وعزيمته المحملة بمآسي حياته !
وقد كان فعلًا فأسم جو يابوكي أصبح أسطورة عالمية شقت طريقها نحو المجد في عالم الملاكمة بكل إرادة وطموح !



سجن الأصلاحية ونقطة التحول


لعل أبرز ما مميز هذا العمل القصة الممزوجة بروح التحدي والقتال ضمن إطار رياضة الملاكمة وتلك الأحداث والقصص الدرامية ، كان على جو أن يروض تلك النفس المشتعلة بدخوله لسجن الإصلاحية وهناك ألتقى بذلك الرجل الذي غيّر من شخصيتنا الشيء الكثير ! ريكيشي .. هذا الرجل الهادئ أصبح ملهم بطلنا والنجم الذي ينتظره على القمة ! 
بدخول جو لهذا السجن أخذت القصة منعطف آخر وتغيرت حياة البطل وأصبح هدفه هذا المُلهم على حلبة الأحلام في قمة عالم الملاكمة ! 
شق جو طريقة نحو حلبة الأحلام بكل روح متحدية ليصل لهدفه الذي أبتغاه ووجده أخيرًا ! قابل جو ريكيشي على الحلبة وقدم الإثنان مستوى يليق ببطلين !
وحدثت الفاجعة بعد المباراة مباشرة !
لقد مات ريكيشي !!!
مات نتيجة جهدهِ الكبير لإنقاص وزنه بغية النزول إلى وزن جو لكن ذلك أحدث ضرر كبيرًا عليه ومات جراء الوزن الناقض والتعرض للكمة من جو على رأسه تسببت بوفاته !
صُدم جو بذلك وتغيرت حياته وأخذت القصة مجرى آخر لشخصية جو فقد ذهب هنا وهناك يحرقه تأنيب الضمير !






{ ..

ريكيشي .. لقد فقدت وزنًا كبيرًا لتلعب معي 
لقد أحرقت نفسك لكنك رحلت وتركت جرحًا كبيرًا في قلبي 
لا يندمل .. 
لقد ذهبتُ هنا وهناك أفعل أي شيء في أي مكان 
وعدت للملاكمة وأنا أظن أنني تغلبت على التفكير فيك ..
لكن لا فائدة !
.. }


صاحبنا جو فقد صديقه الحميم ومنافسة اللدود وعاد ضائعًا من جديد بتأنيب ضميره وحُرقة فؤاده !
ما كان من جو إلا العودة لمعاناته القديمة مع التجول هنا وهناك مع تفكيره وحديث نفسه الذي أتعبه !
وبات جو غارقًا في بحر وحدته وحزنه مجددًا !
لم يطب له حال فبعد رحيل ريكيشي ملأه الحزن والأسى وتأنيب الضمير حتى شحب وجهه وهجر بيته !



كيف لقب غرق في بحر الوحدة والظلمة أن يبرى ؟
سرابًا أصبح الحلم بدل الرؤى .. !! 


الوحدة ! الفراغ ! لوم الذات وفقدان الإرادة .. !! يا لهذه المشاعر الحادة والشائكة ، ويح تأنيب الضمير متى ينجلي !؟ 



حلبة الأحلام 




على الحلبة بذل جو الغالي والنفيس وأعطى نفسه وجهده لهذه الزوايا الأربع !
يقول أحدهم لجو { أنت يا جو لا تستمتع بحياتك ، لا تشرب ولا ترقص ولا تمتع نفسك أبدًا ، لماذا تبذل كل وقتك بلكم كيس الرمل ..؟
أنت دائمًا حزين .. حزين ! }
كان جواب جو بسيط للغاية !






{ ..

ممارستي للملاكمة يمكنها أن تمنحني الرضى الحقيقي ..
فأنا أستطيع إخراج مابداخلي حتى لو كان هذا لوقت قصيرٍ جدًا ولا يبقى شيء بعد ذلك !
لا شيء يبقى ما عدى بعض الرمادِ الأبيض .. !!

.. }



لا شيء سيثير مشاعر جو عدى الرقص داخل الحلبة !
لقد أطلقوا عليه بألقاب كثيرة .. صخرة الموت ، قابض الأرواح !!
لقد أبتغى هذا الرجل طريقًا يعرف نهايته ومع ذلك واصل السير حتى النهاية المحتومة !
ذلك الحلم الذي وجده أخيرًا أكمل الطريق لنهايته !
تلك الأنوار المضيئة والحبال المشدودة عالم من الأحلام بالنسبة لجو فذلك ما يمنحه السعادة والرضى التام !
قد تكون حلبةً صغيرة لكنها عالم يملؤه ضياء النجوم وتنافس الخصوم ومشاعر جياشة يسعد بها جو !

.
.
.




مأساة كين 




كما أعتدنا من أغلب المانجاكا تطرقهم الدائم لقضايا الحرب وأثرها الأزلي على الشعوب والمجتمعات لم ينسى مؤلفنا هذه القضية العالمية حيث تطرق في قصته لمأساة قاسية مر بها صاحبنا الملاكم الكوري كين !
كين عندما كان صغيرًا ذهب والده للحرب في الجيش الكوري لكن كين تجرع مرارة فقدان والدته وأصبح مشردًا يبحث عن لقمة تبعده قليلًا عن حفرةِ موته القريبة ! وجد كين جنديًا بحالة بائسة فسرق طعامه وهرب لكن الجندي أمسك بكين فالتقط الأخير صخرة قريبة منه وهشّم رأس الجندي ! فيما بعد تبين أن هذا الجندي هو والد كين ! يا لهذه المأساة الشنيعة ، كيف سيتحمل كين العيش وهو حاملًا لهذه الصدمة النفسية !
كين يغسل يداه لساعات طوال لعلها تتنظف من دماء والده !
كانت هذه مأساة صاحبنا كين وآثار الحرب عليه وعلى حياته وكيف أوقعت عليه بأثر نفسي أزلي !
تلك إسقاطات الكُتاب اليابانيين وهذه من الأمور التي تُحسب لهم في سبيل طرح القضايا البشرية !

.
.
.


نقلة ديزاكي 



بعد النجاح الباهر للجزء الأول عاد الجزء الثاني بنقلة نوعية أكتسحت المنافسين وأحدثت ثورة في ساحة عالم الأنمي !
كان القائد لهذه النقلة هو الأسطورة أوسامو ديزاكي !
هذا الرجل وضع لمساتٍ ساحرة في عالم الأنمي سببت ضجة كبيرة ونجاح منقطع النظير ! نعم ديزاكي بكل جوارحه عمل على إخراج الجزء الثاني بأبهى حلة تليق بمقام أسطورتنا الرياضية !

لتشاهدوا هذا الصورة من الموسم الأول 



ولتمعنوا النظر هنا 




ديزاكي عمل بكل جهد على ترقية العمل ليصبح أكثر إبداعًا ونضوجًا !
هذا الرجل كذلك إبتكر نوع من الفنون في صناعة وإخراج الأنمي !
أسلوب ديزاكي أو Postcarc Memories

وهو أسلوب من إبتكاره حيث يقف المشهد على صور ثابتة بألوان ساحرة !


أمثلة










هذا الأسلوب الساحر أحد أهم العوامل التي ميزت الجزء الثاني وجعلت منه بصمة خالدة في عالم صناعة الأنمي !
لقد عمل هذا الرجل كذلك على عدة أعمال منها ..
جزيرة الكنز وليدي أوسكار وألخ !
رجل يستحق الثناء على جهوده التي ظلت بصمة لا تنسى !
فما فعله مع الأسطورة أشبه بجوهرة وُضعت في سلة مليئة بالأحجار الكريمة !



.
.
.





نهاية الأسطورة .. !!



النهاية التي حدثت مع أسطورتنا جو هي مسك الختام لهذه التحفة الفنية الخالدة !
كانت النهاية مختلفة جدًا وفتحت أبواب الألهام !
على الحبلة وجد حلمه وعليها وافته منيته !
كيف لي أن أصف هذا النهاية العظيمة التي ظلت خالدة في أذهان الناس .. !!
إن نهاية جو هي كذلك نهاية حروفي فلم أستطع إيجاد الكلمات المناسبة لوصف هذه النهاية الخالدة !
هذه النهاية تُدرس في محافل كثيرة !
لعل هذه النهاية الدرامية كما هي حياة جو لهي الأرسخ في عقول الناس !
فموت الشخصيات في نهاية المطاف من شأنه أن يُحدث حالة من التعاطف الشديد والحزن على ذلك ، وستُحفر هذه الخاتمة في عقولهم حتى النهاية !
وذلك ما حدث فعلًا فلعل أقرب الأمثلة هي بناء مجسمات لجو وُضعت في طرقات طوكيو كتخليد لهذه الشخصية !
ولعل بقية الكُتاب كذلك سلكوا هذا الطريق في التعامل مع شخصياتهم في نهاية قصصها !

............



لقد إنتهيت ..
لقد إنتهيت إلى الشحوب .. !!




هناك تعليق واحد:

  1. ما أجمل أن أرى آخرين لامسهم العمل و ترك فيهم ماترك في نفسي، أبلغ من العمر ٣٤ عاما و لازال جو حاضرا في الذاكرة ، رمزا للشجاعة و القوة و التفاني، شكرا لك على هذه المراجعة التي تعود الى ٩ سنوات سابقة و لكنها ستبقى الى سنوات قادمة تُقْرأ و تُشْعر قارئها بالحنين ..

    ردحذف